في تاريخ الأمم أيام بعينها يحيط بها الغموض برغم كونها أيامًا فاصلة لما لها من أثر في تغيير مسار تلك الشعوب أو اتجاهها اتجاهًا فاصلاً يحدث تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية في حياة تلك الأمم، ومثل هذا النوع المحاط بهذه الهالة الداكنة الغامضة يمثل مادة ثرية للأدب، إذ يستطيع الأديب خلال رؤيته وإسقاطاته أن يحمل هذه اللحظات ما أراد من دلالات فكرية ورموز عقلية تمنح الأدب صفة الخلود والبقاء. من هذه الأيام في تاريخ الأمة المصرية يوم السادس والعشرين من يناير لعام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين، وهو اليوم الذي عرف في التاريخ بحريق القاهرة والذي ترتب عليه : "الإطاحة بوزارة الوفد وتصفية حركة الفدائيين أو حركة الكتائب التي كانت تكافح ضد القوات البريطانية في منطقة قناة السويس عقب إقدام وزارة الوفد في 8 أكتوبر 1951م على إلغاء معاهدة 1936م واتفاقيتي السودان وبرغم غموض الجريمة وعدم القدرة على تحديد الفاعل – ربما حتى وقتنا هذا – إلا أن هذا الحدث أحدث تغيرًا خطيرًا في لغة الخطاب الموجهة للذات الملكية آنذاك، هذه اللغة الناقدة هزت كيان الملك فاروق سياسيًا، واتخذت من الأسلحة الفاسدة وما أثير حول هذه القضية من ضجة واسعة أقول اتخذت ذلك سلاحًا لنقد الملك من خلال نقد حاشيته، وهذا أمر لم يكن مسبوقًا آنذاك، وهو ما تجسد في كثير من الكلمات التي وجهها صفوة المثقفين والسياسيين للملك في تلك الفترة ليشيروا بها بأصابع الاتهام لفاروق ذاته في جريمة حريق القاهرة. لكن يبقى دائمًا سؤال يمنح تلك اللقطة التاريخية ثراءً أدبيًا لمن أراد أن يجعل من التاريخ مادة لأدبه، لاسيما إن كان تاريخًا غامضًا غير محدد القسمات والمعالم : السؤال هو : من حرق القاهرة ؟