يتناول هذا البحث ملامح الاتجاه النفسيّ عند حلمي مرزوق (المُتَنَبِّي وشَوقِي نموذجًا) ، وقد تَحَدَّثْتُ عن سبق حلمي مرزوق من الناحيتين : المنهجيَّة والفنيَّة لغيره من النقاد ؛ حتى إنه ليُعَدُّ من الجيل التالي لجيل طه حسين تنظيرًا وإبداعًا ، وبَيَّنْتُ مدى سعة ثقافته ؛ مما جعله ناقدًا له مكانته بين النُّقَّاد ، كذلك وقفتُ عند ملامح إعجابه بالمتنبي وشوقي في جُلِّ مُؤَلَّفَاتِهِ . بدأ البحث بحديثٍ موجز عن العلاقة بين علم النفس والإبداع من وجهة نظر مرزوق ، وعلاقة ذلك بالتفكير النقديّ المنهجيّ . ثم ناقش موقفه من شعر شوقي ؛ حيث افتخر به بوصفه شاعرًا أخلاقيًّا ، وجعل الأخلاق مدار كُلّ اتجاهاته الفنية ، وذلك في كتابه (شوقي وقضايا العصر والحضارة) ، ووقف مع شوقي وحُبّه للعثمانيين ، ونفسه التي امتلأت شموخًا. وأظهر موقفه من المتنبي في كتابه (جوانب من عبقرية المتنبي) ؛ وقد رآه شاعر العظمة وعشق الذات ، وظَهَرَ أثرُ هذه الخصال النفسية بجلاء في شعره في كُلّ أغراضه الفنية ، كما عرض موقفه من قضية (نبوءة المتنبي) . وأَثْبَتَتْ الدِّرَاسة أن الدوافع النفسية كانت هي المُحَرِّك الأوّل لكُلٍّ من المتنبي وشوقي في كل ما صَدَر عنهما من شعر في أوقات الأمل والألم . لقد تعمَّق مرزوق ديوان شوقي وسبر أغواره ، وانتهى إلى نتيجة مؤداها أن شوقي شاعر الأخلاق بحقّ ؛ لأنه – كغيره من الكلاسيكيين – يرى أنه ينبغي أن تكون الأخلاق الفاضلة والقُيْم المُثْلَى هي المُحَرِّك الأول للحياة ، وكانت الأخلاق هي الباعث الرئيس وراء شعر شوقي ، وكثير من مواقفه السياسيّة والاجتماعيّة . وتأثر غزل المتنبي بشخصيته ؛ فبَعُدَ عن الوله والتصابي ، ولم يكن عاشقًا صادقًا من وجهة نظر مرزوق ، والأمر عنده لا يتجاوز الصنعة المُتْقَنَة ، ومن ثَمَّ خلا شعره الغزلي من الغيرة والحيرة والاضطراب والتوتر ، وأصبح قاصًّا لا أكثر ، ومِنْ ثَمَّ كان غزله مطلبًا من مطالب العظمة الفنية . وقد اتبعتُ في هذا البحث منهجًا تحليليًّا ؛ حيث توقفت عند ملامح النقد النفسيّ عند مرزوق مُحَدِّدًا لها ، ومُبَيِّنًا فلسفته في الدراسة .