دَوَافِعُ النَّقْدِ الاجْتِمَاعَيِّ السَّاخِرِ بَينَ الغَزَال وَالمعَرِّيّ

فإِنَّ العِلاقَةَ بَينَ الأَدَب والمُجْتَمَع علاقةٌ جِذْرِيَّة مُتَمَاسِكَة ؛ فالأدبُ مرآةُ عَصْرِهِ ، والشعراءُ أبناءُ بيئتهم - منها ينهلون ، وإليها يلتفتون - ولا يَتَوَلَّد أدبٌ إلا في ظِلَّ الجماعة ، ومِنْ أجلها ، وكيف يعيش الشاعر في مجتمع دون أن يتأثر به ؟ إنَّهُ يستمدُّ انفعالَه من تجارِبه في بيئته ، ويقتبسُ صُوَرَهُ وقِيَمَهُ من الثقافة التي تَلَقَّاهَا منذ الصِّغَر ؛ فهو يجمع بين هُمُوم الذات وهُمُوم الجماعة ، ويروم كشف الواقع واستشراف المستقبل ، متنقلاً من التفسير إلى التغيير ، وبمعنى آخر إنَّ وَعْيَ الشَّاعِرِ مُرْتَبِطٌ بوعيه بالجماعة ، ومتضمنٌ له .
ولا يمكن - بِحَال - أن ينفصل الأديب عن شَخْصِيَّة أُمَّتِهِ وقضايا مجتمعه ، لذا يُعَدُّ موضوع النقد الاجتماعيّ من الأهمية بمكان ؛ لأنَّ الأدبَ - قبل كل شيء - ظاهرة اجتماعيَّة ، وغايته التعبير عن هُمُومِ المُجْتَمع ؛ بُغْيَةَ إصلاحه ، وتقويم اعوجاجه .
ويهدف النقد الاجتماعيّ إلى بيان الصلة بين النص والمجتمع الذي نشأ فيه ، ويسعى لتفسير الظواهر الأدبية من خلال المجتمعات التي أنتجتها ؛ فهو ينطلق من نظرية الفن للمجتمع ، تلك التي تُوَظِّف طَاقات الفنان لخدمة مجتمعه وبيئته ، ويؤمن بأنَّ للفن رسالة إنسانية سامية تتمثل في هداية أفراد المجتمع إلى المُثُل العُلْيَا .
وبهذا فإنَّ النقد الاجتماعيّ يُحَقِّقُ مبدأ التواصل مع المجتمع ، محاولاً إبراز مكامن الخلل في الحياة الاجتماعية ، ويعتمد - في ذلك - على النظرة الشمولية والرؤية الكُلِّيَّة .
        وقد ظهر عَبْرَ عُصُور الأدب العربيّ كثيرٌ من الشعراء ، أَثْرَوه بإبداعهم الفَنِيِّ ، ومنهم مَنْ تناول قضايا اجتماعيَّة ، كالغَزَال والمَعَرِّيّ ، اللذينِ حَمَلا على عاتقهما مسؤولية إيقاظ المجتمع من سُبَاتِهِ ، وشَعَرَا بأنَّ لديهما رغبةً مُلحَّة في الإصلاح ، نابعةً من إحساسهما بمرارة الفساد المنتشر في المجتمع .
لقد آمن الغَزَال والمَعَرِّي بدور الشعْر المُهِمِّ في تناول المشكلات الاجتماعيَّة ؛ فهاجموا القُضَاة الفَاسِدِينَ الذين مالوا عن الطريق المستقيم ، والفقهاء المُرَائِينَ المُتَكَسِّبِينَ بدينهم ، وثاروا على الرذائل الخُلُقية التي تَنْخَر فِي كِيَان المجتمع .
أهداف البحث :
- عرض دوافع النقد الاجتماعيّ الساخر بين كُلٍّ مِنْ : الغزال والمعري .
- بيان أوجه التلاقي المشتركة بينهما فيما يتعلق بدوافع النقد الاجتماعي الساخر ؛ حيث نجد أَوجُهَ تلاقٍ تَجْمَعُ بين الشاعرين في أدبهما الساخر ونقدهما للمجتمع .