تطور المجتمع العباسي ، وسار الفن في خط تطور ارتقائي يتسق مع منظور الحياة واتجاهاتها ، فكأنما سار في موازة ما نلتمسه من تطور الصورة الفنية عبر عصور الأدب بين مستويات التشبيه و الاستعارة والرمز .
وأصاب الفن ما أصاب المجتمع من تجديد في الفكر وتفاعل مع القيم ،في صورها المختلفة : الإنسانية والروحية والاجتماعية والعقلية .
وظهرت أنماط فكرية مختلفة من خلال بعض الشعراء الذين ألموا إلماماً خاصاً بمعالم الثقافة المتنوعة ، فظهر عندهم التصوير الطريف لقوانين الأشياء ، وقد تغايرت ، وتخلت عن القياس المنطقي والطبيعي لها .
وهو ما تكشفه لنا قصائد كثيرة لأبي تمام والبحتري وابن المعتز وكذلك شاعرنا مسلم بن الوليد (صريع الغواني ) .
مضى مسلم يثقف نفسه بكل معارف عصره ، وعكف على قراءة كثير من الآداب المترجمة .
والشعر عنده صناعة مجهدة لابد فيها من التريث والتمهل ، تتلاحق عنده زخارف الفكر واللفظ ، وعلى الرغم من اعتماده على الإطار التقليدي ، وما يرتبط به من جزالة الأسلوب ورصانته إلا أنه تميز كذلك بدقة التفكير ، وهي دقة كانت تفتح له أبواباً من المعاني الخفية التي تروع السامع بغرابتها وطرافتها .
ذلك فضلاً عن طريقة المتصنعين التي ابتدأها ، والتي تجعل الشعر نحتاً وصقلاً وزخرفاً وتنميقاً ، فقد اعتمد مسلم – في شعره- على البديع فأضاف إليه الزخرف الجديد وكساه بالألوان والأطياف .