شهدت مدينة تونس ازدهاراً كبيراً في الحقبة التاريخية التي تعنى بها الدراسة في شتى مناحي الحياة، خاصة الحياة العملية والتي حملت مشاعلها مساجد المدينة ، بفضل أهل العلم الذين نعمت بهم المدينة؛ من البلديين والوافدين، لاسيما علماء الأندلس الذين هجروا أوطانهم التي بددت حركة الاسترداد أمنها شعاعًا، فنزل جمع غفير منهم بتونس، فنعموا بها، وقربهم ولاتها ، حتى صار إلى بعضهم تصريف شئون الملك على الحقيقة.
وكانت الدروس العلمية بالمساجد لا تنقطع، ولا تقتصر على فن من فنون العلم دون فن، بل كانت تدرس بها كل العلوم، وكانت طريقة الشرح والتعليم تعتمد على المناقشة وليس التلقين، مما جعل عقد ألسن طلاب العلم تنحل، فاختصرت تلك الطريقة سنين عددًا من انشغال طالب العلم بالتعلم، فبلغت سني الدراسة ست سنوات فقط، مقارنة بين عشرة سنة في غيرها من المدائن الإفريقية.
ولم يكتف طلاب العلم بالتحلق حول أهل العلم في المساجد، بل كانوا يغدون عليهم ويروحون في بيوتهم للقراءة عليهم، فشهدت المدينة طفرة علمية غير مسبوقة.