النــــــزعة الوجودية عند السفسطائية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلفون

1 باحث ماجستير قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة دمنهور

2 أستاذ الفلسفة قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة دمنهور

المستخلص

استهل السفسطائيون مرحلة جديدة من مراحل تطور الفلسفة ونهوضها في اليونان، فجعلوا الإنسان موضوعًا رئيسًا لأبحاثهم الفلسفية. فركزوا على مشاكل تخص الإنسان نفسه، كالبحث في الوجود والأخلاق والتربية والحرية والمصير الإنساني والمسئولية وغيرها، واضعين تلك المواضيع في طليعة اهتماماتهم وأبحاثهم، فكانت لديهم نزعة وجودية. وبالتالي وُجِدَت أصداء للوجودية في فكر السفسطائيين.
أعلن السفسطائيون مثل بروتاجوراس أن "الإنسان هو مقياس كل الأشياء"، مؤكدين على الطبيعة الذاتية للمعرفة والأخلاق. يتماشى هذا الموقف النسبي مع الفكرة الوجودية القائلة بأن الأفراد مسئولون عن بناء قيمهم الخاصة والتعامل مع تعقيدات الوجود دون الاعتماد على معاني خارجية محددة مسبقًا. إن النزعة الوجدية في الفلسفة السفسطائية تمثل جوهرًا أساسيًا لفهم الإنسان وتفاعله مع الوجود. فهي تعد نهجًا تفكيريًا يركز على أهمية الوجود الفردي والتجربة الشخصية كمصدر أساسي للفهم والمعنى في حياة الإنسان. وبالتالي، أشارت تلك النزعة إلى التركيز على الوجود والحياة الفردية كمحور أساسي للفهم والتجربة الإنسانية. وشدد السفسطائيون على أهمية الوجود الفردي والتجربة الشخصية، ورفضوا التحقق الكامل من الواقع أو الاعتماد على مفاهيم أو قيم مطلقة. وبذلك اعتبرت الوجود الإنساني مصدر أساسي للمعنى والقيم. فالإنسان هو كائن وجودي يواجه التحديات والمعاناة، ويسعى لإيجاد معنى لحياته في هذا الوجود المؤقت. ويعتبرون الوجود الفردي كأساس للقيم والمعاني، ويؤكدون على أهمية اتخاذ القرارات الذاتية وتحمل المسؤولية عنها. يركزون أيضًا على تجربة الحياة والعواطف كمصدر للفهم والحقيقة، متجاوزين التقاليد الدينية أو الفلسفية التي تقدم إجابات جاهزة.
كان السفسطائيون معروفين بآرائهم النسبية حول الحقيقة والأخلاق، متحديين المعتقدات الفلسفية السائدة في عصرهم. فرفضوا فكرة الحقائق المطلقة والموضوعية، وجادلوا بأن الحقيقة ذاتية ومتوقفة على وجهات نظر فردية. وفي سياق الأخلاق، قدمت السفسطائية رؤية جديدة لتحديد المبادئ والقيم. فكانت الأخلاق تتمحور في هذا السياق حول قرارات الفرد واختياراته الحرة. يُشجع الإنسان على تحديد معاييره الأخلاقية الخاصة، دون الالتفات إلى معايير أو قيم مفروضة من خارجه. فتناولت الأخلاق من منظور الحرية الفردية والمسئولية. وشددت على أن الإنسان حر في اتخاذ قراراته الخاصة وتحديد قيمه الخاصة دون الالتفات الكامل إلى معايير خارجية.
تُعَدّ التربية عند السفسطائية وسيلة لتمكين الفرد وتشجيعه على استكشاف ذاته وتحديد هويته الشخصية، فهي وسيلة لتنمية الوعي وتوجيه الفرد نحو فهم أعمق للحياة. تعتبر التربية وسيلة لفتح آفاق الوعي وتشجيع الإنسان على فهم عميق للحياة ومسئولياته الشخصية. يتم التأكيد على أهمية توجيه الفرد نحو تحقيق إمكاناته وتحديد هدفه في الحياة.
يظهر التركيز المشترك على استقلالية الإنسان وحريته كتوازي ملحوظ آخر بين المغالطة والوجودية. كان السفسطائيون معلمين عمليين، يقدمون تعليمات في فن الإقناع والمهارات العملية اللازمة للنجاح في الحياة العامة. يعكس هذا التوجه العملي للتركيز الوجودي على الحرية الفردية وضرورة قيام الأفراد بتشكيل مصائرهم بشكل فعال. حيث تعد الحرية جوهر الوجود السفسطائي، والذي يتيح للإنسان القدرة على اتخاذ قراراته وتحديد مسار حياته. وتُشدد السفسطائية على أن الحرية ليست مجرد حق، بل هي مسئولية، حيث يتحمل الفرد عواقب قراراته بشكل كامل. وتتأتى المسئولية كنتيجة طبيعية للحرية. فالفرد مسئول عن قراراته وأفعاله، وبالتالي إلى تحمل عواقب أفعاله بشكل فردي. إن المسئولية في سياق السفسطائية تنبع من الحرية، حيث يُطلب من الإنسان أن يكون مسئولًا عن اختياراته وأفعاله. يعكس هذا التركيز على المسئولية الفردية استيعابًا للواقع الذي يقوم فيه الإنسان بتشكيل وجوده الشخصي.
إن النزعة الوجودية في السفسطائية تعكس رغبة الفرد في البحث عن هويته ومعنى حياته في سياق الوجود والزمن. وتعتبر هذه الفلسفة إطارًا يشجع على التأمل في التجربة الإنسانية بمفهومها الأعمق والأكثر شمولًا. وتبرز السفسطائية أهمية الحرية والاستقلال الذاتي للإنسان. حيث يُعَزَز الفرد ككائن فريد، مكلف ببناء معانيه وتحديد طريقته الخاصة للوجود. ويتجلى هذا التركيز على الحرية في رفض السفسطائية للقيود والقوانين القائمة، وبدلاً من ذلك، تحث على استكشاف المعنى الشخصي وتشكيل التجربة الفردية.
فيما يتعلق بالمصير الإنساني، تعتبر السفسطائية أن هناك جوانبًا من المصير تتجاوز سيطرة الإنسان، ولكنها تحث على التصدي لها بشكل فعال. يُشجع الفرد على تشكيل مصيره الشخصي بروح من الحرية والمسئولية، متجاوزًا التحديات بتفاؤل وتصميم.
بشكل عام، تتجلى النزعة الوجدية عند السفسطائية كمفهوم شمولي يمتد إلى مختلف جوانب الحياة الإنسانية، مع التركيز على الوجود الفردي، والحرية، والأخلاق، والتربية، والمسئولية، والمصير.