مفهوم العــــــــــــــــــزلة عن نيقولاي برديائف

لم تنل مشكلة العزلة غير حظ ضئيل من النظر الفلسفي، رغم أنها تلقى ضوءًا شديدًا على الأنا، كما أنها تتصل اتصالاً واضحًا بمشكلة المعرفة التي تساعد على الانتصار على العزلة. وهنا يرى الفيلسوف الروسي نيقولا برديائف أن الإنسان لا يدرك شخصيته وأصالته وتفرده إلا عندما يكون وحيدًا. فالعزلة، كما يقصدها برديائف، استعادة للذات الحقيقية عن طريق التأمل، كما قد يكون هدفها هو الثقافة الروحية، والبحث عن الأصالة الوجودية، والتجربة الصوفية. وهنا تكون العزلة إيجابية كاختيار مرغوب فيه، وخاصة لفهم تأثير العزلة على الحياة الباطنة الروحية. فقد تكون العزلة قوة دافعة للارتقاء الروحي، ومعرفة الذات، وضبط النفس، والسلام الداخلي، وقوة دافعة لمعرفة عميقة بذاته، مما يسهل بشكل كبير الحوار الداخلي والبحث عن القيم والدوافع، ويسهم في فهم أعمق للمعنى الحقيقي للحياة، وفي رسم ملامح شخصية متناغمة.ويمكن اعتبار النضال الغنوصي سعيًا إلى الأصالة والحرية ضمن ما يُنظر إليه على أنه مكان للعزلة. ففي الاتصال الغنوصي تشعر الذات بالعزلة، أي الانفصال عن العالم الموضوعي، عن السلطة، أي سلطة، والسعي نحو الأصالة والحرية والتواصل مع الروح الإلهي. فالغنوصية رؤية قوية ونبيلة بالقدر نفسه للإنسان بوصفه روحًا إلهية حرية، تقف ضد قوى استعباد خبيثة. إذ إن موضوع المعرفة الغنوصية هو الله، حدوثه في النفس يحول العارف نفسه بجعله مشاركًا في الوجود الإلهي. وقد أشار برديائف إلى رؤيته الغنوصية، وارتباط الحرية بالغنوصية، فالحرية حرية العبقرية (الحرية الإبداعية)، حرية الروح. وهنا تنطوي غنوصية برديائف على شكل وجودي من المعرفة يربط العارف بالوجود، وربما اقترب برديائف من كونه صوفيًا أكثر منه غنوصيًا. إذ إن جوهر الإنسان هو معرفة الذات والله. فالغنوصية شكل من أشكال التصوف تنحو نحو الحرية والروح. والروح والحرية شيء واحد عند برديائف. إذن مهمة برديائف هي جعل الذات الباطنة هي غاية الحياة الإنسانية. وبناء عليه تكون غاية حياتك هي التواصل مع الله.
الكلمات الدالة:
العزلة ـ الحرية الإبداعية ـ الغنوصية ـ التصوف ـ الأبدية ـ الاتصال الروحي ـ  الأصالة الوجودية ـ الروح ـ الذات ـ الأنا ـ الآخر ـ الحدس ـ المتعالي - الروح الإلهي ـ التواصل مع الله.